الحياة ليست سهلة
تسعى لتحقيق أهدافك ولإنجاز أعمالك..
وتسعى لأداء واجبات البيت والعائلة..
وتوازن بين ذلك وبين حاجاتك ورغباتك الشخصية..
ولكن الحياة تستمر بإلقاء العوائق في طريقك!
ففي العمل تحديات لا تنتهي..
وفي البيت والعائلة، تزيد المسؤوليات وتتنوع!
وقد تضيع حاجاتك ورغباتك الشخصية بين هذا وذلك!
ومع سرعة الحياة، وتنوع متطلباتها، وصعوبة تحدياتها.. تشعر أنك مضغوط!
كأن المتطلبات أثقال تُرمى فوق ظهرك..
ولا تكاد تنتهي من إحداها، حتى تُلقَى إليك أخرى! وأخرى!
فتحس بقلة الحيلة.. ومحدودية الوقت..
تحس بالضعف..
وأحياناً، بالفشل!
وتفتقد الإحساس بنشوة النجاح..
وتفتقد الشعور بأن لجهودك آثاراً واضحة..
الهروب!
وفي هذا اللحظات الصعبة.. تلجأ للهروب!
الهروب من إحساس الضغط، وقلة الحيلة..
إلى ما يخفف من حدة ذلك.. وإلى ما يسعدك ويبهجك..
وإلى ما يعطيك الإحساس بشيء من النجاح.. وشيء من الإنجاز..
وما يرافق ذلك من الإحساس بقيمة الذات..
ويتنوع الناس في وجهات الهروب!
فمنهم، في نطاق العمل، من يهرب إلى صندوق البريد الالكتروني!
ومنهم من يهرب إلى الحوارات الجانبية مع الزملاء.. وإلى الاجتماعات!
وفي نطاق العمل والبيت.. يهرب البعض إلى التحادث عبر الهاتف..
أو إلى التواصل بالرسائل الالكترونية، والواتساب!
ويهرب آخرون إلى وسائل التواصل الاجتماعي!
فمن متابعة ال”تايملاين” في تويتر..
إلى مشاهدة الصور في إنستاغرام وتيك توك..
إلى متابعة آخر المنشورات في لينكد إن..
ومنهم من يهرب إلى الفيديو والمرئيات..
من التلفاز، إلى اليوتيوب..
ويقضون هناك الساعة والساعتين.. وأكثر!
ومنهم من يهرب إلى الأكل والشرب!
فيستمتعون، مثلاً، بالبطاطا المقلية والمشروبات الغازية!
ومنهم، عافانا الله وإياكم، من يهرب إلى التدخين!
وغير ذلك مما يضر بالجسد ومما قد يدخل في نطاق الحرام!
والحل؟
بطبيعة الحال، يختلف الناس في الضغوطات التي تواجههم في الحياة..
وفي كيفية تجاوبهم معها، وصبرهم عليها..
وفي مستويات وطرق الهروب..
ولا يكاد يوجد حل سهل وفعّال لجميع الحالات..
إلّا الابتداء بالتوكل الحقّ على الله..
ويكون ذلك بالعزيمة وبذل الجهد، والتوكل على القوي العزيز في النتائج..
ومن ثم، يمكن تقديم بعض الحلول العملية المفيدة لتجاوز دافع الهروب بشكل فعّال بإذن الله..
طريقة الإنتظار
حينما تثقلك ضغوط الحياة، تجد نفسك مدفوعاً نحو وجهة الهروب المعتادة..
سواءاً إلى منصات التواصل الاجتماعي أو اليوتيوب، أو غيرها..
وفي العادة، تجد نفسك – بشكل لا واعي – قد بدأت بالفعل بتصفح التغريدات أو بتناول المشروبات الغازية!
وقد وضعت عملك المهم على جانب!
واحدة من أسهل الطرق لمواجهة ذلك هي طريقة الانتظار!
فحينما يقع ضغط الحياة وتأتيك دفعة الهروب، توقف وانتظر…
خذ نفساً عميقاً.. لا تستسلم للدفعة ولا تلبي الرغبة…
وإذا أحسست بشدتها، أقنع نفسك بأن تنتظر قليلاً فقط..
والنتيجة، أنك ستكون – بعد لحظات – أكثر قدرة على مقاومة الدفعة..
ومن ثم الرجوع إلى عملك أو هدفك..
طريقة الطماطم (البومودورو)
هذه الطريقة مفيدة حين القيام بالأعمال التي تتطلب وقتاً وجهداً ذهنياً..
الفكرة أن تقنع نفسك بأنك ستعمل لمدة ٢٥ دقيقة فقط، وثم ستأخذ استراحة قصيرة مستحقة..
الذي سيحصل هنا – وهذا عن تجربة شخصية – هو أنك ستحس بأن المهمة التي أمامك هي أخف مما كانت تبدو عليه، وسيسهل عليك العمل لإجمالي الفترة المطلوبة.
الحقيقة أن هذه الطريقة أفادتني كثيراً في دراسة الدكتوراة، ولا زلت استخدمها اليوم للمشاريع المهمة (وحتى لكتابة هذه المقالة!)..
ولتفصيل أكبر عن الطريقة، إقرأ مقالة “طريقة الطماطم“
تجزئة العمل
طريقة الطماطم هي حل مفيد لتخفيف الشعور بالضغط الزمني..
وأما ثقل العمل، فيمكن تخفيفه بتجزئته إلى أجزاء بسيطة، وسهلة المضغ!
مثلاً، إن كنتَ بصدد كتابة تقرير ما في العمل، إبدأ بعصف ذهني..
ثم اكتب الهيكلة المبدأية للتقرير، وفق المعايير التي تعمل بها مؤسستك.
وثم إبدأ بالكتابة جزءاً جزءأ، مع الاستعانة بالمصادر والمعلومات المطلوبة..
وإذا كنت تخطط لرحلة سياحية في تركيا مثلاً، إبدأ بجزئية تحديد تاريخ السفر..
وذلك بحسب الإجازات والأوقات المناسبة..
ومن ثم احجز تذكر الطيران المناسبة..
وثم احجز السكن، واحجز السيارة..
ومن ثم إبدأ بالتقديم لتأشيرة دخول البلد، وتحديد المدن والمزارات السياحية التي ستزورها، الخ..
بشكل عام، هذه الطريقة تخفف المقاومة الداخلية بتصغير صورة الأعمال أمامك..
تغيير البيئة
طريقة أخرى لمقاومة الهروب هي تغيير البيئة!
سبحان الله! هناك بيئات ومواقع معيّنة نجد فيها مقاومة داخلية أكبر للعمل، ودافعاً أكبر للهروب!
وهناك بيئات ومواقع أخرى، تكون المقاومة فيها أقل وقد يختفي دافع الهروب!
مثلاً، تجد أنك في المسجد أكثر قدرة على الخشوع في الصلاة، وعلى أداء النوافل..
وربما تجد أنك تعمل بشكل أفضل عندما تكون في بقعة معينة من المؤسسة مقارنة ببقع أخرى..
وهكذا.. إن أحسست بدافع الهروب من أعمالك، جرّب تغيير البيئة..
إذا كنت طالباً يحاول الدراسة بجدية، إبدأ بمحاولة الدراسة في زوايا مختلفة من غرفتك، وثم زوايا مختلفة من بيتك..
وجرّب الدراسة في مكتبة الجامعة، وربما في أكثر من طاولة فيها..
وقم بتجربة العمل في مقهى أو حتى على شاطيء البحر!
وحين تصل إلى البقعة المناسبة ذات البيئة المناسبة، ستحس بالفرق وستجد أريحية أكبر في إنجاز أعمالك دون الإحساس بدافع الهروب..
معالجة الجذور
خذ موقفاً نراه كثيراً في حياتنا..
طفل صغير يبكي.. رافضاً الذهاب إلى المدرسة..
ووالداه يحاولان إرغامه على ذلك.. فللمدرسة فوائد كثيرة، وأهمية كبيرة..
هناك هدف مفيد، والطفل يبكي رافضاً.. فيكون الحل المباشر هو إرغامه على الذهاب، أو تشتيت إنتباهه بنشيد أو بمتابعة طائرة في الجو..
ولكن من تمرّس على التربية يعلم أنه، أحياناً كثيرة، تكون هناك مشكلة جذرية للبكاء..
قد يكون الطفل جائعاً، فيُعطى شيئاً من طعام يحبه، ويتوقف بذلك عن البكاء!
أو قد يكون خائفاً أو متوتراً من المدرسة، ويصرّ على أن يأخذ لعبةً صغيرة معه..
فلا يُمنع من أخذ اللعبة، مما قد يعطيه شيئاً من الإحساس بالأمان، ومن ثم التوقف عن البكاء.. (مع التوقف التدريجي عن الاعتماد على اللعبة!)
الفكرة الأساسية هنا، أخي الزائر، أن النفس كالطفلة..
وعندما تجد منها مقاومة شديدة، وخاصةً بعد تجربة عدد من الحلول المفيدة كالتي طرحناها أعلاه، قد تكون هذه دلالة على وجود مشكلة جذرية..
مثلاً، عندما تجد في نفسك مقاومة شديدة للعمل ودافعاً كبيراً للهروب، قد يدل ذلك على أن مديرك أو زميلك شخصٌ مزعج..
أو أنك مقتنع في صميمك أنه يجب القيام ببعض التعديلات في آلية العمل في قسمك..
أو حتى أن هذه الوظيفة غير مناسبة لإمكانياتك وأسلوب عملك وطموحاتك..
وفي هذه الحالة، تكون معالجة الهروب عن طريق معالجة الجذور..
سيكون عليك أن تتخذ قرار مواجهة هذا المدير أو الزميل المزعج، بالحزم والهدوء..
أو أن تقوم بالإعداد لعرض فكرتك عن تحسين العمل إلى مديرك، وذلك بالطريقة الأقرب إلى إقناعه..
أو أن تبدأ بالبحث عن فرصة عمل أخرى أكثر مناسبة لك.. أو حتى أن تنطلق إلى العمل المستقل!
بإختصار..
حينما تهم في عملٍ أو نشاطٍ ما، وتجد في نفسك مقاومة.. ورغبة شديدة بالهرب..
قم بتجربة عدد من الحلول المباشرة كطرق الإنتظار، والطماطم، والتجزئة، وتغيير البيئة..
وستجد في ذلك الدواء الفعّال لأغلب الحالات بإذن الله..
أما إن لم تجد في ذلك الحل، إبدأ التفكّر في جذر المشكلة وأسبابها..
وبمعالجتها يختفي دافع الهروب.
أسأل الله لك التوفيق والتيسير وتحقيق كل أهدافك وأمانيك ..