القيلولة السريعة

IMG_1546.jpeg

((تم ادراج هذه المقالة ضمن ٧٠ مقالة مختارة من المدونة في كتاب “تــأمّــلات” للكاتب الدكتور حمد العزري))

القيلولة.. !

كلنا يتذكر ذهابنا إلى غرفة والدينا منتصف النهار، ونفاجأ بالأب أو الأم في قيلولة! وربما كنا نتسائل، لماذا وكيف؟!

وتمر السنوات، ونبدأ نحن في تجربة هذه العادة، وربما تبنيها.

فهناك من لا يتخيل الحياة بدون ساعة القيلولة، فهي بمثابة الاجتماع المهم الذي لا يمكن الاستغناء عنه!

وهناك من جربها، ثم تركها..
فربما يراها مضيّعة للوقت.. أو أنه لا يحب ذلك الشعور الذي يأتي بعد ساعة القيلولة!

فهناك احمرار العينين!
وهناك الشعور بالضياع!!
“أين أنا؟”
“كم الساعة الآن؟!”
“أهو ليلٌ أم نهار؟!!!”

وبين هؤلاء وهؤلاء، أتحدث اليك اليوم زائري الكريم عن القيلولة السريعة.

ما هي القيلولة السريعة، ولماذا؟

لا نتحدث هنا عن “ساعة” القيلولة، وإنما عن قيلولة سريعة وخفيفة لا تتعدى النصف الساعة، وقد تكون بحدود خمسة دقائق فقط!

فليس هدفها الدخول في نوم عميق، وليست هي بديل عن النوم الصحي الكافي في فترة الليل. وإنما هي استراحة سريعة تعيد لك النشاط.

ألا تعش أحياناً تجربة الشعور بالتعب الشديد وقلة التركيز في منتصف النهار؟

معظمنا يشعر بذلك، وكثير منا يلتجيء إلى القهوة أو الشاي لاستعادة النشاط.. ولكن مشكلة كافيين القهوة والشاي أنه لا ينشط الجسم فعلياً، وإنما يعطيك شعوراً سطحياً بالنشاط في الوقت الذي يكون جسمك فيه مرهقاً.

أما القيلولة السريعة، فإنها تريح جسمك بشكل حقيقي صحي. وتعيد لك النشاط وتساعدك على التركيز وتزيد الإنتاجية.

والآن، السؤال هو: ما هي الطريقة المثلى للقيلولة السريعة وكيف يمكنك تعويد نفسك عليها؟

مباديء القيلولة السريعة

أولاً، إعلم أن القيلولة السريعة ليست نوماً عميقاً. فلا تيأس إن حاولت القيام بها ووجدت أنك “لم تنم” !!

في أبسط حالاتها، القيلولة السريعة هي استراحة للجسد والذهن مع إغلاق العينين. ويمكن في كثير من الأحيان سماع من حولك وما حولك، مع القدرة على تجاهل ذلك والتركيز على أخذ قسط من الراحة.

ثانياً، إعلم أن المدة المناسبة للقيلولة السريعة تبدأ من حوالي ٢٥ دقيقة، ثم تنقص عن ذلك بالتعوّد التدريجي (كما هو مفصّل أدناه).

ثالثاً، القيلولة السريعة عادةً ما تكون بحاجة إليها في فترة بعد الظهيرة. وأحياناً، عند استيقاظك باكراً، قد تأتيك في وسط فترة الصباح (حوالي الساعة ١٠ أو ١١). ولكن، بشكل عام، إن أحسست أن تركيزك ضعيف وأنك تشعر بالإرهاق، فيمكن أخذ قيلولة سريعة في أي وقت.

رابعاً يمكن، بعد التعوّد على القيلولة السريعة، أن ترى أحلاماً ورؤى خفيفة (وجميلة!).

اكتساب العادة – الخطوات الخمس:

يمكنك البدأ في اكتساب عادة القيلولة السريعة من اليوم، وذلك باتباع خمسة خطوات أساسية، وهي:

١) اختر مكاناً هادئاً نسبياً – ويفضل أن يكون على السرير. وأخبر من حولك أنك ستكون في قيلولة واطلب عدم الازعاج.

أما إن كنت في المكتب مثلاً، فيمكنك النوم على الطاولة واستخدام منبه هزّاز في الهاتف أو في ساعتك الذكية. (يُفضّل التعود على القيلولة في البيت قبل تطبيقها في مكان العمل، مع التأكد طبعاّ من عدم مخالفة ذلك للقوانين)

٢) إذا كنت في البيت، فالبس شيئاً خفيفاً، ويفضّل لبس غطاء للعين.

٣) اضبط المنبه لمدة ٢٥ دقيقة.

٤) استلقي على يمينك، ثم اغلق عينيك.

لا تحاول أن ترغم نفسك على النوم، ولا تكن في حالة دفاعية من الأصوات التي تأتي صوبك. فقط اغلق عينيك وتنفس بعمق واسكن في حالتك تلك. تذكّر أن هذه الحالة أقرب ما تكون إلى الاستراحة من النوم الليلي الثقيل.

٥) ابق على حالة السكون والراحة هذه، حتى ينطلق المنبه. ثم استيقظ وقد عاودك النشاط وعادت إليك طاقتك الإيجابية.

نوماً هانئاً!

ستشعر بالنشاط، ولن تحس باحمرار العين ولا الحاجة إلى تنظيف أسنانك ولا الشعور بالضياع!

ممتاز، لقد جربت القيلولة السريعة بنجاح!

اكتساب العادة – التناقص التدريجي لمدة القيلولة

إن اتبعت الخطوات الخمس بشكل يوميّ، ستكتسب العادة تدريجياً وستضعها ضمن برنامجك اليومي كاستراحة خفيفة لاستعادة النشاط واسترداد الطاقة.

ولكن، وبعد مرور فترة من الزمن، ستلاحظ أنك تبدأ في الغوص في نوم عميق قبل انطلاق المنبه، بحيث أنك قد لا تسمعه أو قد تغلقه وتستمر في النوم لاحساسك بالتعب. وثم ستستيقظ وترى أنك قد نمت لمدة ساعة، أو أكثر، وقد احمرّت عينيك وشعرت بالضياع!

ما الذي حصل؟

الحقيقة، وبناءاً على تجربتي الشخصية، أن الجسم يتعود تدريجياً على أخذ قسط كافي من الراحة في مدة أقصر. وبعد مرور فترة من الزمن، ستكون فترة ال٢٥ دقيقة أطول مما تحتاجه.

ويمكن تخيّل ذلك على شكل خط زمني حدودي أحمر. خط يقع قبله النوم الخفيف التنشيطي، ويقع بعده النوم العميق.

ويبدأ هذا الخط من حوالي ٢٥ دقيقة (ولكن قد يختلف من شخص إلى آخر). وبعد التعود على ذلك فترة من الزمن ينزل الخط إلى حوالي ٢٢ أو ٢٣ دقيقة.

الحلّ قصير المدى، أنه إذا وجدت نفسك تغص في نوم عميق قبل انطلاق منبه ال٢٥ دقيقة، فاجعل مدة المنبه ٢٢ أو ٢٣ دقيقة.

وأما الحل بعيد المدى، فإستعد للمرور على فترات (أسابيع تقريباً)، ويكون الخط عند ٢٢ دقيقة، ثم ٢٠، ثم ١٨، ثم ١٥… وهكذا.

وستكون في حاجة لمراقبة نفسك. فترة استقرار على مدة قيلولة سريعة محددة، ثم الحاجة إلى تحديد مدة أقل، فالعودة إلى فترة الاستقرار فترى أخرى، وهكذا.

بالنسبة لي، فقد وصلت مدة القيلولة المثالية إلى سبعة دقائق!

والحقيقة أني حاولت جعل المدة خمسة دقائق، ولكني اكتشفت أنني لا يمكن الاستمرار على ذلك طويلاً.

فنظامي الآن (ولآخر سنتين أو ثلاثة تقريباً) هو الاستقرار على ٧ دقائق، مع المرونة في أخذ ٥ دقائق أحياناً و١٠ دقائق أحياناً أخرى.

فهناك فترات أجد نفسي منهكاً ولا توجد أمامي إلّا ٥ دقائق، فآخذ القيلولة السريعة لمدة ٥ دقائق. وهناك حالات أخرى، أكون فيها في تعب شديد فأزيد على السبعة دقائق العادية ثلاثة دقائق إضافية. ولكن تبقى الفترة العادية ٧ دقائق في معظم الأيام.

الخلاصة

القيلولة السريعة هي من أفضل العادات الإيجابية التي وُفّقت إليها، ولله الحمد. فهي تعيد لي النشاط، وخاصة النشاط الذهني الذي أحتاج إليه في عملي ومجمل حياتي.

ومن الرائع أن المدة الأنسب لي هي ٧ دقائق فقط، فلا يوجد مانع من الاستفادة من القيلولة السريعة يومياً، حتى في فترات ازدحام الأعمال، فإن ساعة عمل بعد استرداد النشاط هي أكبر إنتاجية من ساعتين أو حتى ثلاثة مع الارهاق وفقدان الطاقة.

أتمنى، زائري الكريم، أن تتمكن أنت أيضاً من اكتساب هذه العادة المفيدة كي تبقى دائماً نشيطاً ومنتجاً ومبدعاً وسعيداً.

أثري المقالة بتعليقك