الإنترنت.. ذلك العالم العجيب.. والموازي!!
أنت على اتصال شبه دائم به..
حاسبك الآلي.. جهازك اللوحي.. جهاز هاتفك!
ساعة يدك.. وحتى بعض أجهزتك المنزلية.. كلها متصلة..
عالمٌ يتيح لك التواصل الشخصي بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ!
هناك شبكات التواصل الإجتماعي، من تغريداتك على تويتر وإلى صورك على إنستاجرام..
وهناك برامج التواصل والرسائل، كالواتسآب، والآيميسج، والإيمو، وغيرها.. انظر إلى الصور الجميلة التي التقطها إبن عمك في زيارته للجبل الأخضر، وإقرأ التعليقات الكثيرة التي وضعها أفراد العائلة، في “الجروب” !
وهناك الأخبار من كل حدب وصوب، ومن كل صنف ونوع!
وأحوال الطقس، وحجوزاتك للطائرة والفندق، وطلباتك للوجبات من المطاعم..
وهناك المعلومات اللانهائية! إسأل العم جوجل، والأخ ويكيبيديا عن عاصمة البيرو وتاريخ العثمانيين!
وكثير من هذه الخدمات – بل وأغلبها – مجانية!
فيا لها من نعمة! ولله الحمد!
ولكن..
قف قليلاً مع نفسك..
واسأل..
هل هذه الخدمات الكبيرة فعلاً مجانية؟
نعم، أنت لا تدفع – غالباً – في مقابل ذلك نقداً.. ولكن، لا يوجد في الحياة غداء مجاني، كما يقال!
المقابل الذي تدفعه أخي.. هو التخلي عن خصوصيتك..
نعم، خصوصيتك..
معلوماتك الشخصية، رسائلك البريدية، مواعيدك، أصدقائك، نطاق حركتك، هواياتك..
قد تحتج وتقول: ليس لدي ما أخفيه!
والرد: هل وجب أن تكون مذنباً حتى تحافظ على خصوصيتك؟
تخيل معي..
رسائلك (ضحك، غضب، أسرار).. مراقبة..
صورك الشخصية وصور ابنائك وأفراد عائلتك.. مراقبة..
تحركاتك.. إلى منزلك، ومقرّ عملك، ومقهاك المفضل.. مراقبة..
حقيقة الأمر أن هذه الشركات، كجوجل وفايسبوك وغيرها هي شركات ربحية وليست جمعيات خيرية!
نحن بالنسبة لها مستخدمون للخدمات، ولسنا العملاء الحقيقيين..
عملائها الحقيقيون هم أصحاب الشركات التي تدفع للإعلانات..
فعوضاً عن الإعلان في جريدة لا يُضمن قارئها، بإمكان الشركات هذه شراء مساحات لإعلانات موجهة توجيها دقيقاً حسب خصائص ورغبات وسلوك فئات محددة في السوق..
ولأجل تحقيق أعلى درجة من الدقة، تسعى جوجل وفايسبوك وغيرها أن تقضي أنت ساعات على شبكة الإنترنت تنقر هنا وتنقر هناك، وتنشر هذا، وتعجب (“لايك”!) بهذا وهذا.. ومن ثم تنقر على الإعلانات الموجهة لك..
ولا تتنهي مخاطر الخصوصية عند هذه الشركات، بل تتعداها لتصل أحياناً – عافاك الله – إلى جرائم الكترونية مثل انتحال الشخصية.. حيث ينتحل المجرم شخصية آخر ويستفيد من خدمات وربما يدفع مبالغ لشراء ما يريد، وفي أسوأ الحالات يستغل انتحاله للشخصية لتشويه سمعة الضحية – ربما للأبد!
فما الحل إذاً؟ هل المطلوب منا أن نترك الإنترنت ونعود إلى الصحراء على ظهور الجمال؟!
لا… بالطبع لا!!
المطلوب هو التوازن..
توازن في وقتك.. وفي المعلومات التي تقدمها عن نفسك.. وفي الصلاحيات التي تعطيها لهم.. وفي عدد الخدمات التي تأخذها من شركة بعينها..
فمثلاً، في مجال البحث المعلوماتي، استخدم جوجل ولكن استخدم أيضاً بينج (Bing.com) ودك-دك-جو (DuckDuckGo.com) وفي المجالات الأخرى، نوّع بين جوجل وأبل وفايسبوك وأمازون وغيرها..
ولا يمنع أن تبحث أحياناً عن خدمات مدفوعة بمبالغ معقولة وتكون أنت العميل لها وليس شركات الإعلانات..
وفي كل الأحوال، توخى الحذر فيما تنشره عن نفسك وعائلتك وأصدقائك..
إعلم أن كل كلمة تكتبها، وكل صورة تنشرها، هي باقية إلى ما شاء الله! وقد يطّلع عليها حفيد حفيدك!
وراجع نفسك قبل أن تفتح باباً للجدال والمناوشات مع أصدقائك وأهلك في “الجروب” أو مع الغرباء في تويتر.. فحقيقة الأمر أن الكتابة وراء حاجز الشاشة يقلل من حضورنا الذهني وتوازننا وإحساسنا بالآخر ومشاعره وقيمته كإنسان..
ومن ثم تبقى هذه الرسائل والمنشورات، وقد تكون بمثابة المورد للشيطان لكي يوقع بينك وبين اخوتك، مرة بعد مرة!
وأخيراً، توخى الحذر فيما يخص سلامتك وأمنك.. فلا تثق في الرسائل البريدية التي تطلب كلمة السر، واختر كلمات سرّ قوية ومتغيّرة.. ولا تبع كل روحك وخصوصيتك لشركة ما مقابل خدمات (مجانية!) زائلة..
نسأل الله أن يعيننا وإياكم على الإستفادة مما هو خيّر على شبكة المعلومات، وأن يحفظنا وإيامكم من إيقاع الضرر بأنفسنا وأهلنا وأحبائنا..