استاذ الجامعة!

 ((تم ادراج هذه المقالة ضمن ٧٠ مقالة مختارة من المدونة في كتاب “تــأمّــلات” للكاتب الدكتور حمد العزري))

تراه يأتي إلى الجامعة وسط النهار أحيانا، ويغادرها بعد سويعات أحيانا..
وقد تتسائل: “لماذا لا يتقيد بفترة العمل كالآخرين؟ لماذا لا يصل في السابعة والنصف ويغادر في الثانية والنصف؟”
وما عمله؟ يدخل إلى قاعة بها مجموعة من الطلبة.. ويتبادل معهم أفكارا وكلاما، ثم يغادر!

وقد تتسائل: “لا يوجد عملٌ أسهل من الإلقاء وتبادل الأفكار” وربما تقول: “ويتكرر نفس الكلام كل فصل دراسي!”
وعلى ماذا يحصل؟ على بعثات تعليمية في أرقى جامعات العالم..
ومشاركات في مؤتمرات عالمية.. وعلى احترام المجتمع.. و.. و..

وهذا لسان حال البعض حيال استاذ الجامعة!

“عمل سهل.. ودوام قصير.. ومقابل مادي ومجتمعي كبير!”
وهذا أبعد ما يكون عن الحقيقة!!

فرسالة استاذ الجامعة كبيرة.. ومهماته ليست بالسهولة التي قد تتبادر إلى الأذهان!

فمهمته الأولى هي البحث العلمي.. وما أدراك ما البحث العلمي!
فبه تتوسع مدارك البشر.. وتتطور الأمم.. وينمو الإنسان بعقله ومعرفته..
بل، وبالبحث العلمي والانفاق عليه يمكننا أن نفهم اسباب تطور وتخلف البلدان على مستوى العالم (انظر هنا ترتيب الدول
حسب الانتاج العلمي
وحسب
الانفاق على البحث والتطوير
)

والبحث العلمي ليس كمهمة اعتيادية في مؤسسة حكومية!

بل يحتاج إلى تخطيط، وتحديد للأهداف، وفهم واسع لخلفية الموضوع، واختيار لأنسب اسلوب بحث، وجمع مُجهد للمعلومات، وتحليل دقيق لها، ثم عرض النتائج وفق معايير وطرق معتمدة.. وكل هذا يقع على ظهر استاذ الجامعة في كل بحث يقوم به..

أما المهمة الثانية، والأكثر بروزا، فهي التعليم.. وما أدراك ما التعليم!

ليس التعليم – خاصة الجامعي – مجرد تبادل لأفكار وكلمات..
وليس مجرد تكرار لنفس المحتوى عاما بعد عام..
بل هو أشبه ما يكون بمشروع البناء..
وهل هناك أهم من بناء الإنسان؟

تعليم كل مقرر دراسي يتطلب فهما لموقعه ضمن البرنامج الدراسي، وتحديدا للاهداف التعليمية المستهدفة، وتخطيطا لأساليب التعليم والتقييم المناسبة، ثم وضع جدول زمني حسب تواقيت وظروف وإجازات الفصل الدراسي..

و”المحاضرة الجامعية” هي أكثر من مجرد “محاضرة” بشكلها الإلقاءي..

فهي تحتاج إلى تخطيط وأهداف..
وتركيز شديد اثناء الكلام واثناء الاستماع إلى ملاحظات وأسئلة الطلبة..
وتنظيما دقيقا للحوار والنقاش..
وموازنات كثيرة مراعاة لأهداف المقرر ومستوى فهم الطلبة والأعراف الاجتماعية..

وثم يأتي تقييم أعمال الطلبة، وفيها ما فيها من بذل الجهد الكبير لتقييم عالي وفق معايير رصينة ومقارنات مستمرة للتأكد من العدل بين الطلبة قدر الإمكان..
وهذه أمور تُشغل بال استاذ الجامعة أثناء عمله، بل وتُشغله أثناء الطعام وفي تقلبات النوم وأثناء قيادته السيارة!

أما المهمة الرئيسية الثالثة، فهي خدمة المجتمع..
فاستاذ الجامعة في الصورة، وتدعوه المؤسسات المختلفة والشخصيات المتنوعة لعمل محاضرات وحلقات وورش أعمال ولجان وغيرها..
ولا يخفى ما لهذه المهمات من جهد في تنظيم الوقت والأفكار، وترتيب باقي الأعمال الأكاديمية معها.. ومن لاستاذ الجامعة من معين في هذا إلا نفسه؟

وبالإضافة إلى هذه المهمات الرئيسية الثلاث، تأتي الأعباء الإدارية في الجامعة!

فالاجتماعات وأعمال الإرشاد واللجان والاستمارات والأوراق المتطايرة هنا وهناك تأكل من وقت الاستاذ الجامعي..
وعليه الموازنة دائما بين مسؤولياته الإدارية ومسؤولياته العلمية، حتى لا تسحبه الأعباء الإدارية بعيدا عن صلب عمله..

ونأتي أخيرا إلى مسألة توقيت العمل..

فمهمات استاذ الجامعة الثلاث الرئيسية لا تكتفي بإشغاله أثناء تواجده بالمكتب..
بل هي تطارده في البيت، وأحيانا عند زيارة الأهل وأثناء انتظار انجاز معاملاته الأخرى..
ولا تنحصر فترة عمله بين السابعة والنصف والثانية والنصف، بل هي تمتد إلى المساء والليل وبعد الفجر..
وخذ مثالا على ذلك تقييم أنشطة الطلبة وما يتطلبه من هدوء وتركيز..

باختصار، عمل الاستاذ الجامعي متشعب ومسؤولياته عديدة ويقع حمل تنظيم أوقات وطرق عمله عليه وحده، بشكل يضمن التوازن بين متطلبات البحث العلمي واحتياجات الطلبة والمهمات المجتمعية..

مصدر الصورة

فكرتان اثنتان على ”استاذ الجامعة!

أثري المقالة بتعليقك