((تم ادراج هذه المقالة ضمن ٧٠ مقالة مختارة من المدونة في كتاب “تــأمّــلات” للكاتب الدكتور حمد العزري))
فعلاً.. نحن في عصر السرعة!
فالهمّ أصبح في تحقيق النتائج بأسرع وقت!
أن تأكل بسرعة!
وأن تصل إلى مقصدك في الطريق بسرعة!
وأن تنهي عملك بسرعة!
بل وأصبح الكثير منا يريد تحقيق أهداف ومشاريع كبيرة في وقت قياسي..
ودون التفكر الكافي في ظروف الواقع وتبعات المستقبل..
وهذا ينافي طبيعة التدرج في الحياة..
يقول ربنا سبحانه: “وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ” (سورة ق – 38)
خلق الله السماوات والأرض في ستة أيام لا يعلم طولها إلا هو.. رغم أنه كان في قدرته سبحانه أن يتم الخلق كله في لحظة وبكلمة “كن” ..
فما بالنا بالإنسان قليل العلم والحيلة!
كيف يمكن أن يخيل للواحد منا
انه يستطيع القفز فوق الخطوات والمراحل والوصول بلا جهد كبير إلى اهداف عالية سامية؟
نعم.. بإمكانك تحقيق أي شيء تريده..
ولكن ليس بالإعراض عن سنة التدرج والتقدم للأمام خطوة بعد خطوة..
فمن أراد الوصول لقمم العِلم، فعليه بالصبر والتواضع وأن يعيش كل مرحلة بتأني فاتحا لعينيه وملقيا لسمعه وشاحذا لهمته..
لا أن يتوقع أن يصبح العلّامة بين ليلة وضحاها!
ومن أراد النجاح في تجارته، فعليه بالغوص في بحرها بتروّي وتعلّم طريقه خطوة بخطوة، والتعرّف بالتدريج على حاجات زبائنه وطبيعة المنافسة.. لا أن يتوقع أن يصبح من كبار التجار في ومضة عين!
من بديع خلق الله أن عقولنا وطبائعنا قابلة دائما للتطور والنمو..
فحينما ندخل مجالا جديدا، علينا أن نصبر ونحن نتعلم تفاصيله ونتعرّف على شرقه وغربه.. علينا أن نتقبل طبيعة مراحل نموّنا في هذا المجال، وأن نستبشر بالترقي فيه بشرط الصبر والعزيمة..
الأمر أشبه ما يكون بالانتقال إلى مدينة جديدة لتعيش فيها..
ففي البداية تجد نفسك ضائعا شريدا!
ولكن مع مرور الوقت تبدأ بالتعرف على المباني من حولك..
فهنا المسجد وهنا المدرسة وهنا المحلّات التجارية وهنا دار فلان ثم فلان..
ثم لا تلبث أن تنغمس بحيوية المدينة وتكتشف أسرار طرقاتها..
العبرة أن نأخذ نفسا عميقا ونقف مع أنفسنا وقفة جادة قبل الدخول في أهداف ومهمات ومشاريع جديدة.. العبرة أن نثق أننا بإذن الله واصلون لأي قمّة نريدها، ولكن بشرط الصبر والعزيمة والتوكل، وبالتدرج خطوة خطوة نحو الأعالي..
أحسنتبارك الله فيك وأعزك
أهلا وسهلا بك أخي محمد.أسأل الله أن يرفع عنكم البلاء في مصر.